فضاء حر

ملحمة جولة النصر الذاكرة التي لن تسقط!

 

يمنات
ما كان لها يوما أن تغيب عن مدارات الذاكرة , تلك الجموع المرتجلة صوتها والنشيد .
أسراب الهتافات البيض وهي ترفرف في سماء الخلد بجناحين من إرادة صاغا معالم الطريق لمن يستقر في رحم القادم من وافدين جدد سيذكرون بأننا كنا هنا ذات ثورة . وأننا احتملنا طموحنا و تشاركناه مع الرصيف والإسفلت والمباني والدكاكين الصغيرة والباعة المتجولين , وأننا عانقنا رائحة الفصول الأربعة بقلوب خضراء ما توقفت عن الوجيب كقلب صوفي مبتل بالدعاء.
سيذكر القادمون ــ كما نذكر نحن الآن ــ كيف أشعلنا أصابع الحكاية بأنفاسنا الحارة وكيف تقاسمنا الأمل (كتخميسة) مُدمني تقاسم وسيعرف العابرون على دمائنا كم أن بمقدورنا أن نخلق مواطن الحياة ودور السعادة. 
مازلت أتذكر هتافنا في أول مظاهرة واستسلم لنوبة نزيف تصورات , أتذكر صوتاً يصيغ الحلم فوق منجل فلاح مر , ينقش ألتوق على مقرمة امرأة تبسمت عيناها الغارقتان خلف ستار الخمار وهي تشاركنا هتاف (الشعب يريد إسقاط النظام )… 
تمر علينا اليوم ذكرى ملحمة نصر أودعها الثوار أعمارهم وأحلامهم وارتحلوا محملين ببهاء الشهادة , مُخلفين ورائهم آيات منقوشة على صفحات أعمارنا , وصوراً تنثال على مداركنا قارعة الخوف من كل حد وصوب إذا ما وجد سبيلا إلينا ذات استبداد..!

في الثامن عشر من سبتمبر 2011 شباب يسقطون الخطوط الحمراء ــ المتفق عليها ــ يجتازون الحدود الفاصلة بين الجمود والتحرك, بين التوقف والتقدم , بين الخضوع للأوامر والجنوح للمخاوف وبين الجموح والتمرد بنزغ الثوري الذي لا يهادن, يومها داسوا على أملاءات الجنرال العجوز وفرقته الراضخة و ببسالة تصدوا بصدورهم العارية ــ إلا من إيمانهم ــ لرصاص الحرس العائلي , وامتلأت رئتا الشارع بالهتاف والدخان وشظايا الأعيرة النارية وتطاير شرر الفزع من عيون القناصة القابضين على زناد العبودية .
لقد كان يوما ملحميا لن يسقط من ذاكرة كل يمني شريف يؤمن بان الحرية يُسعى إليها لتأخذ بقوة الإرادة لا بحوار عقيم مع مستبد. وقد عرف الشهداء ذلك جيدا وكانوا بكل تلك الشجاعة والحرية التي مكنتهم من ان يعانقوا حرياتهم بزهو ويكتبوا بدمائهم النقية تاريخ جولة النصر الذي نعيش اليوم ذكراه الأولى.
نتذكر جيداً كيف نصبت الخيام في قلب شارع الزبيري وكيف علا النشيد , فوق ضجيج قذائف الأر بي جي التي قصفت رأس ألشهيد لؤي رشاد سالم علي , في مشهد بالغ القسوة والهمجية , والذي عُد كمرآة عاكسة لوجه النظام الحاكم .
لا نعرف في هذه الذكرى الأليمة إلا أن نترحم على شهداء ثورتنا الذين بذلوا أرواحهم في سبيل عتقنا من ربقة التبعية والعبودية وأن نعاهدهم بأننا على درب الثورة باقون وبوسائل تبتكر نفسها للوصول إلى تغيير المنظومة السياسية بكاملها وأننا لن نكف عن إنشاد مرسيل خليفة والهرولة عبر صوت فيروز وهي تصدح : طلعنا على الضوء طلعنا على الريح يا حرية ….
يا حرية يا زهرة نارية يا طفلة وحشية يا حرية…
زر الذهاب إلى الأعلى